Image Not Found

مطرح: كورونا المستجد.. وإشكاليات التخطيط

خليفة سليمان – الفلق

أعلنت السلطات المختصة بمواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في السلطنة بأنه وابتداءً من يوم الأربعاء الموافق 1 من إبريل 2020م سيتم فرض عزل صحي تام على ولاية مطرح، وذلك حتى إشعار آخر، كإجراء احترازي لحماية المواطنين والمقيمين من تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، بعد أن شكّلت بعض الأحياء في الولاية بؤرة تفشٍ للمرض. والحقيقة، لا يجهل الزائر لمطرح سبب هذا الإجراء الذي أتى بلا شك لحماية المواطن والمقيم من هذه الجائحة، فالاكتظاظ العمراني القديم وغير المخطط له، وانتشار المساكن العشوائية وكثرة سكنات العمال واكتظاظها بالأفراد؛ شكّلت بيئة مساعدة لانتشار المرض؛ خصوصا بين العمالة المقيمة في الولاية.

مطرح المدينة الحيوية، المليئة بالمعالم التاريخية والحضارية، أصبحت في سكون في ظل عزل صحيّ تام وتباعد اجتماعي مطلوب وتقييد في الحركة ومنعٍ للدخول أو الخروج منها. هذا الإجراء يجعل من الأهمية بمكان البحث في الأسباب ودراسة الواقع بغية الوصول إلى حلول جذرية وليست مؤقتة، فمطرح التاريخ التي تقع على ضفاف خليج صغير تكتنفه الجبال من كل صوب، لا بد لها أن تستمر كأيقونة حضارية عمانية تشع بالجمال، وعلى الجهات المختصة أن تبحث في الواقع بغية الوصول إلى مستقبل أفضل. فمطرح لا تعاني فقط من عشوائية العمران، الذي ربما ساهم ولو بشكل غير مباشر في تفشي جائحة كورونا في الولاية، وإنما تعاني من إشكاليات عدة بسبب النمط العمراني القديم الذي تمدد دون مراعاة لطبوغرافية المنطقة؛ فهناك مشكلة السيول التي تغطي أرضيات أسواق المدينة وتقتحم بعض الأزقة والمسكان عند هطول الأمطار الغزيرة، وهناك الازدحام المروري الكبير الذي نتج عن وجود الأسواق التقليدية المحببة لدى الزائر والمقيم على حد سواء، وهناك سكنات العمالة المقيمة في الولاية التي تعمل في أسواق المدينة سواءً تلك التي تدير محلات تجارية أو تلك التي تعمل بالأجر اليومي في الأنشطة التجارية النشطة، والتي ربما تكون قد أحدثت بعض الإشكالات الاجتماعية لسكان المدينة على المدى البعيد؛ مما دفع الكثير منهم – خصوصا القاطنين بالقرب من المنطقة التجارية – إلى مغادرتها وإيجاد أماكن أخرى في محافظة مسقط تتناسب مع البيئة والسلوك الجمعي للمجتمع العماني.

إن مطرح وبما تضمه من مكونات حضارية كسوق مطرح وقلعتها الشامخة وسور اللواتيا والمباني التي تحمل الإرث العمراني العماني القديم، تستحق أن تكون بحال أفضل. فمع تلك الجماليات الطبيعية والتاريخية والحضارية التي تحتضنها مطرح، هناك جماليات أخرى تكمن في الطابع التقليدي الذي يفوح من أسواقها وأزقتها، بالإضافة إلى عادات البشر القاطنين في المدينة وتقاليدهم، والتي لا تختلف بلا شك عن سلوك العماني الأصيل المرحب بزائر المكان على اختلاف أطيافه وثقافته. علاوة على ذلك، فإن مكنون مطرح التجاري والحضاري جعلها قبلة للعديد من العمالة المقيمة في السلطنة وذلك لتوفر فرص العمل من المهن الأولية التي يعزف الكثير من العمانيين عن القيام بها كخياطة الملابس أو العمل في مهن الخدمات الشخصية الأولية والحمّالين وعمال الأجر اليومي وغيرهم، وهم بلا شك باتوا جزءًا مكملا لمنظومة الحياة الاقتصادية في الولاية، ولذلك فمن غير السهل الاستغناء عنهم أو إحلالهم. ولأن مطرح تضم هذا الكمّ المختلف من الأشياء فقد آن لها أن تحظى بإعادة تأهيل؛ بما تحويه من مكونات بشرية وعمرانية وبخطوات أسرع للتغلب على التحديات التي يعاني منها المكان، ولتبدو المدينة واجهة ليست تجارية وحضارية فقط؛ بل واجهة حديثة تعبر عن ما وصل إليه الحاضر العماني مع بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.

لقد نما إلى علم الشارع العماني في مرات عدة بأن هناك مشاريع وخططًا لإعادة تطوير مطرح أو تأهيلها، وبجولة سريعة على شبكة المعلومات الدولية سوف نجد الكثير من تلك الأخبار والتصريحات التي لم نلمس منها شيئا حتى الآن. ومن تلك الأخبار ما صرحت به بلدية مسقط في مايو من عام 2016م عن وجود خطة لإعادة تأهيل المدينة لتشمل الخطة بناء أحياء سكنية لجذب أهالي مطرح للعودة والسكن في مناطقهم مع تقنين سكن العمالة الوافدة والعزاب، ناهيك عن تصريحهم بأن المخطط يشمل خطةً للمحافظة على الهوية التاريخية والحضارية للمدينة في آن واحد. وفي نوفمبر من عام 2018 م طالعتنا الصحف مرة أخرى بأن هناك مشروعًا لتطوير الواجهة البحرية للمدينة بما فيها ميناء السلطان قابوس لتحويل المنطقة إلى واجهة سياحية حديثة ومتكاملة، تخدم المواطن والمقيم والسائح، ولكن في غياب تام لأي تصريحات حديثة تخبرنا بما تم إنجازه، أو ما الخطوات المستقبلية في سبيل تنفيذه.

في الحقيقة يجب أن تكون أحداث (كوفيد 19) هي نقطة البداية لأحداث التغيير في المدينة، وعلى الجهات المختصة المسارعة في تنفيذ خطط إعادة هيكلة المكان وتنميته بالشكل الذي يؤهله ليكون واقعًا حديثًا ومنظمًا من جهة، وواجهة حضارية وتاريخية وسياحية متكاملة من جهة أخرى، خصوصًا مع جاهزية الخطط التي عملت عليها الجهات المختصة لتأهيل المكان. فمطرح تستحق أن تكون بها مخططات عمرانية حديثة تجنبها مخاطر السيول والفيضانات وتحقق البيئة الصحية للسكن مع المحافظة على الطابع الحضاري للمدينة. كما أنها تحتاج إلى شوارع فسيحة ومواقف حديثة للمركبات تجنبها الازدحام المروري الخانق والملوث للبيئة. أيضا، فإن إعادة بناء المنطقة التجارية سوف يخلق بيئة صحية للعمل ويهيئ مخازن الغذاء لتكون بمواصفات حديثة تحفظ صحة الإنسان وتجنب المنطقة أية تداعيات خطيرة أخرى كالحرائق أو انهيار المباني القديمة وغيرها. كما يمكن أيضا ومن خلال هذه المخططات إضافات مكونات حضارية وسياحية جاذبة بالتزامن مع تحويل ميناء السلطان قابوس لميناء سياحي، فبالإضافة إلى السوق والقلعة والسور، يمكن إضافة أسواق “العرصة” بأنواعها، التي كانت موجودة سابقا كما يؤكد السكان، وإلى جانب ذلك يمكن إضافة قرية تراثية في إحدى زوايا الشريط الساحلي لتكون مكمّلة للسوق ونابضة بالحركة طوال العام وموفرة لفرص العمل؛ خصوصا لأصحاب الحرف والصناعات التقليدية، كما يمكن إضافة ثقافة الساحات والأسواق الموسمية للمكان، وهو تقليد رائج عالميا، وموجود في الإرث العماني؛ كسوق الجمعة وسوق الأربعاء وغيرها.
إن الإنسان هو هدف التنمية كما سارت عليه الخطط الحكومية، وما الإجراءات التي قامت بها الجهات المختصة لحماية سكان

مدينة مطرح وسكان السلطنة بشكل عام من كوفيد 19 إلا ترجمة لهذا التوجه. ومما لا شك فيه؛ فإن إعادة تأهيل مدينة مطرح سيكون هدفه الأول تنمية الإنسان، وسوف يجنب المنطقة الإشكالات التي يعاني منها السكان بسبب عشوائية التمدد العمراني. أيضا فإن خطط إعادة الهيكلة بلا شك، سوف تخلق واجهة تجارية وسياحية حديثة تشكل مصدر دخلٍ للبلد، ناهيك عن ما سوف يفرزه هذا التخطيط من فرص عمل للشباب العماني وفرص استثمارية ذات طابع حديث، تحقق التكامل بين الحداثة والمعاصرة في مدينة تمتلئ بكل المقومات التي تؤهلها لتكون مدينة للمستقبل. فالشريط الساحلي المضيء دوما، الذي يفصل بين الجبل والبحر؛ يستحق أن يستمر شريانًا نابضًا بالحياة. ومع إطلالة القلعة من جهة وإطلالة ميناء السلطان قابوس من جهة أخرى يستحق المكان أن يأخذ بهاءً أكبر لمستقبل أجمل.